سورة المدثر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} قيل: فاصبر على طاعته وأوامره ونواهيه لأجل ثواب الله. قال مجاهد: فاصبر لله على ما أوذيت. وقال ابن زيد: معناه حملت أمرًا عظيمًا محاربة العرب والعجم فاصبر عليه لله عز وجل. وقيل: فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله. {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} أي: نفخ في الصور، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، يعني النفخة الثانية. {فَذَلِكَ} يعني النفخ في الصور {يَوْمَئِذ} يعني يوم القيامة {يَوْمٌ عَسِيرٌ} شديد. {عَلَى الْكَافِرِينَ} يعسر فيه الأمر عليهم {غَيْرُ يَسِيرٍ} غير هين. قوله عز وجل: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} أي: خلقته في بطن أمه وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد. نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي، كان يسمى الوحيد في قومه. {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا} أي: كثيرًا. قيل: هو ما يمد بالنماء كالزرع والضرع والتجارة. واختلفوا في مبلغه، قال مجاهد وسعيد بن جبير: ألف دينار. وقال قتادة: أربعة آلاف دينار. وقال سفيان الثوري: ألف ألف دينار. وقال ابن عباس: تسعة آلاف مثقال فضة. وقال مقاتل: كان له بستان بالطائف لا تنقطع ثماره شتاءً ولا صيفًا. وقال عطاء عن ابن عباس: كان له بين مكة والطائف إبل وخيل ونَعَم وغنم وكان له عير كثيرة وعبيد وجوارٍ. وقيل: مالا ممدودًا غلة شهر بشهر.


{وَبَنِينَ شُهُودًا} حصورًا بمكة لا يغيبون عنه وكانوا عشرة، قاله مجاهد وقتادة. وقال مقاتل: كانوا سبعة وهم الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص وقيس وعبد شمس، أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام وعمارة. {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا} أي: بسطت له في العيش وطول العمر بسطًا. وقال الكلبي: يعني المال بعضه على بعض كما يمهد الفرش. {ثُمَّ يَطْمَعُ} يرجو {أَنْ أَزِيدَ} أي أن أزيده مالا وولدًا وتمهيدًا. {كَلا} لا أفعل ولا أزيده، قالوا: فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك. {إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا} معاندًا. {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها.
وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصعود جبل من نار يتصعد فيه الكافر سبعين خريفًا ثم يهوي».
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا عبد الله بن الفضل، أخبرنا منجاب بن الحارث، أخبرنا شريك، عن عمار الدهني، عن عطية، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {سأرهقه صعودًا} قال: «هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت فإذا رفعها عادت فإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت».
وقال الكلبي: الصعود صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها لا يترك أن يتنفس في صعوده، ويجذب من أمامه بسلاسل من حديد، ويضرب من خلفه بمقامع من حديد، فيصعدها في أربعين عامًا فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها ويجذب من أمامه ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبدًا أبدًا.


{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} الآيات، وذلك أن الله تعالى لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} إلى قوله: {المصير} [غافر: 1- 3] قام النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلما فطن النبي صلى الله عليه وسلم لاستماعه لقراءته القرآن أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم، فقال: والله لقد سمعت من محمد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يُعلى، ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش: سحره محمد صبأ والله الوليد، والله لتصبون قريش كلهم، وكان يقال للوليد: ريحانة قريش فقال لهم أبو جهل: أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينًا، فقال له الوليد: مالي أراك حزينًا يا ابن أخي؟ قال: وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك النفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زيَّنت كلام محمد وتدخل على ابن أبي كبشة، وابن أبي قحافة، لتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد، فقال: ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدًا، وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل من الطعام؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه، فقال لهم: تزعمون أن محمدًا مجنون، فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا: اللهم لا قال: تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه قط تكهن؟ قالوا: اللهم لا قال: تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا: اللهم لا قال: تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئًا من الكذب؟ قالوا: لا- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الأمين قبل النبوة، من صدقه- فقالت قريش للوليد: فما هو؟ فتفكر في نفسه ثم نظر ثم عبس، فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه وولده؟ فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر فذلك قوله عز وجل: {إِنَّهُ فَكَّرَ} في محمد والقرآن {وَقَدَّرَ} في نفسه ماذا يمكنه أن يقول في محمد والقرآن.

1 | 2 | 3 | 4 | 5